ذلك النخل
(إلى روح الشهيد فتحي همت)
(إلى روح الشهيد فتحي همت)
- هذه كلمات بدأ كتابتها عثمان أبوزيد في صواردة أبريل 2002م ، حيث تعطلت السيارة التي أقلته من الخرطوم مع الراحل العميد محمد صالحين وهما في الطريق إلى جزيرة سرقد جوار قرية فركة، للمشاركة في عرس الشهيد بإذن الله فتحي همت خيري الذي استشهد في جنوب السودان.
- كان الصمت يخيم ذلك المكان ؛ حائط قديم والنخل يرمي بظله على شقوق الأرض، ويقطع الصمت تغريد قمرية، وفي المكان شجرة (ديوس آجوس) تعلقت بها حرباء.
- ذكر صالحين لرفيق رحلته أنه دخل على أم الشهيد فتحي الحاجة طماية يخبرها باستشهاد وليدها الوحيد فقالت وهي في كامل قوتها وشموخها : (نحن نغرس شتلة النخل ونسقيها السنين الطوال بالماء نحمله على رؤوسنا وعلى أكتافنا حتى تستوي على سوقها وتصير (أوسر)* ، ثم في هذا الوقت الذي تعجبنا النخلة بطلعها وثمرها ، يأتي عليها طوفان أو هدّام ، والحمد لله).
- عمل الشهيد فتحي همت معلماً بالولاية الشمالية، ثم التحق بالنشاط الطلابي في صحبة الأستاذ عصام الدين ميرغني. وبعده عندما تقلد الدكتور عثمان أبوزيد مسؤولية وزارة التربية والتعليم في حكومة الولاية الشمالية كان فتحي هو الساعد الأيمن، ثم صار إلى تنسيق الدفاع الشعبي وكان استشهاده في الجنوب يرحمه الله.
- ظهرت كلمات هذه القصيدة في عدد من المنتديات ولكن بأخطاء، وهذه هي الرواية الموثقة، وقد احتاجت بعض الكلمات إلى شرح يجده القارئ في ذيل القصيدة.
ذلك النخل الذي يخرج في (سرقد) شال
بلحاً جادت به (السكوت) من أرض الشمال
كم سقيناه على أكتافنا حتى استطال
وانتظرنا سنوات الخصب والطلع الثقال
***
يا ربا (فركة) هل مرّ مع الفجر غزال؟
من هنا يختال في (كوشة) أو في غرب (دال)؟
حدثينا يا رُباها عن شهيدٍ
أشعل العزة فينا والخيال
حدثينا كيف (أرنتَي) تناجي (ملكال)
وطن تضنيه حرب الأقربين ...
مستعيضين سيوف الأبعدين
لم يراعوا في الوري عمّاً وخال
***
يا ربا فركة يا شمّ الجبال
في برمهات يعود الراحلون
ينضج القمح وفي الضفة يغفو السامرون
برطانٍ من لسان الجنّ كالسحر الحلال
***
عندما تحمرّ حبات (جريق)* كاللآل
يغمر (الدفّيق)* أرضي وينير البرتقال
عندما يلمع (نجم الضيف)* للمغرب مال
تزدهي فركة بالخصب وبالطلع الثقال
وأبوبكر يعود الآن محمولاً على صوت بلال
وطن نفديه بالروح وبالمال الحلال
وطن تفديه هامات الرجال
***
أيّهذا الشجرُ الشامخُ عزاً وجلال
هات من حضنك شيئاً واحتويني بالظلال
* أوسر باللغة النوبية نخلة في قامة الرجل ، لا يُحتاج إلى صعودها لجني الثمر.
* أرنتّى بالشدة على التاء جزيرة في النيل مقابل مدينة عبري، غمر النهر في فيضان 2001م جزءها الجنوبي، وقضى الكاتب في ذلك الوقت أياماً مع أهلها.
* (جري) براء مائلة ، ألحقت القاف بها لتعريب الكلمة، ثمر شجر الطندب، وهو أحمر لذيذ الطعم.
* (دفي) بفاء مائلة ومشدّدة ، ثمر النخل قبل النضج ، ويتساقط منه الكثير على الأرض، وفي أبريل تطلع أيضاً زهور البرتقال.
* بلغة النوبة (إسكرين وينجي) ، نجمة تطلع بعد الغروب ولا تلبث أن تميل للأفول بعد وقت قصير. كان الناس في قرى الشمال يعتادون انتظار أفول هذه النجمة ليتناولوا طعام العشاء ، فذلك إيذان بعدم نزول ضيف بعد هذا الوقت.